17 - 07 - 2024

مؤشرات | القروض تسيطر في "الموازنة الجديدة"

مؤشرات | القروض تسيطر في

أزعجتني الأرقام المتداولة حول مشروع موازنة العام المالي 2023 – 2024، خصوصا تلك التي تتحملها الدولة في سداد أقساط الديون وفوائدها، والتي تخطت الحدود، وإن كان يرى إقتصاديون أنها في حدود الأمان.

من الطبيعي أن يخرج وزير المالية دكتور محمد معيط ويطمئن الناس، عن مشروع موزانة العام المالي المقبل 2023/ 2024، والبالغ المصروفات فيها 3 تريليونات جنيه، بينما الإيرادات 2,1 تريليون جنيه، ليقول أمام مجلس النواب، "اقتصادنا بخير، وقادر على تجاوز التحديات الدولية الراهنة، ومعًا سنتجاوز الأزمة العالمية مثلما تجاوزنا التحديات السابقة"، وأن "أرقام الموازنة للعام المالي المقبل توفر أكبر دعم ممكن للنشاط الاقتصادي والأمان الاجتماعي، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام؛ لضمان التوزيع العادل لثمار التنمية".

ولكن هناك أيضا ما يقلق، فالأرقام في مشروع الموازنة الجديدة تشير إلى أن إجمالي مخصصات الفوائد وسداد القروض تصل إلى تريليوني و435 مليار جنيه، منها تريليون جنيه و120 مليار موجهة للفوائد وتريليون و315 مليار جنيه، لأقساط الديون.

ويعني ذلك أن 56% من الاستخدامات "المصروفات أو النفقات"، في مشروع الموازنة الجديدة تذهب إلى سداد القروض والفوائد، وفي المقابل، فيما أن الأجور والإستثمارات والدعم وشراء السلع والخدمات بكل أنواعها، وغيرها تمثل 44%.

بل أن الإعتماد على الاقتراض في الموازنة الجديدة بشقيه المحلي والخارجي يمثل 49,2% من الموارد في مشروع موازنة للعام المالي 2023-2024، بما يعادل تريليوني و140 مليار جنيه، وفقا لبيانات الموازنة الجديدة، وفي المقابل تمثل مساهمة الضرائب 35,2% من الإيرادات، أي أن الديون والضرائب تساهمان في إيرادات مشروع الموازنة بـ84.4%.

ومن الملفت للنظر ما يتعلق بمعدل زيادة الديون سواء في بنود النفقات، والاعتماد عليها في الإيرادات، على مدى الأعوام الثلاثة من العام المالي 2021- 2022، و2022- 2023- والعام المالي المقبل 2023- 2024.

ففي مجال سداد أقساط القروض والفوائد عليها، ارتفعت في العام المالي المقبل بنسبة 44.49% لالتزامات فوائد الديون، و36.29% بالنسبة لأقساط القروض، مع ملاحظة أنها ارتفعت في العام الحالي 2022- 2023، بـ32.54% للفوائد، وبـ83,93% للأقساط، وهما العامان اللذان يمثلان بداية سداد الأعباء الناجمة عن الإستدانة.

ومن الواضح أن فكرة الإعتماد على القروض لم تتغير، فقبل أيام ناقش البرلمان، عرض إتفاقية موقعة بين الهيئة القومية للانفاق ومجموعة من البنوك بضمان هيئة تنمية الصادرات الألمانية، وأخرى بين الهيئة القومية للانفاق ومجموعة من البنوك بضمان هيئة تنمية الصادرات الإيطالية لتمويل القطار الكهربائي السريع، بقيمة حوالي 2.2 مليار يورو، بما يوزاي أكثر من 70 مليار جنيه مصري.

وشهدت المناقشات جدلا شديدا من الأعضاء، بشأن إفراط الحكومة في الاعتماد على القروض، لكونها أعباء تتحملها أجيال، ودافعو الضرائب، في ظل أزمة إقتصادية تعاني منها البلاد، لأسباب مختلفة محلية وإقليمية وعالمية، وطيعا في النهاية وافق البرلمان كالعادة على قرض جديد في بداية لسلسلة قروض لا نهاية لها، خصوصا ما يتعلق بمتطلبات تمويل موازنة الدولة، ومشروعات تصر الحكومة عليها رغم مخاطر وأثقال الأزمة.

أخشى أن يكون قطار الإقتراض أسرع بكثير من القطار الكهربائي السريع، ولا يستطيع المواطن ولا غيره اللحاق به، وتصبح الفجوة الزمنية واسعة جدا.. ورغم ذلك حتما هناك حلول تخضع في أولى مراحلها لما يمكن تسميته بـ"فقة الأولويات في المشروعات"، لنصدق جميعًا ما يقال على لسان المسؤولين "لا قروض بعد اليوم".
------------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا